فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عزّ وجلّ: {سبح اسم ربك الأعلى} أي قل سبحان ربي الأعلى، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين يدل عليه ما روي عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {سبّح اسم ربك الأعلى}، فقال سبحان ربي الأعلى»، ذكره البغوي بإسناد الثعلبي، وقيل معناه نزه ربك الأعلى عما يصفه الملحدون، فعلى هذا يكون الاسم صلة، وقيل معناه نزه تسمية ربك الأعلى بأن تذكره وأنت له معظم، ولذكره محترم.
وقال ابن عباس: سبّح أي صل بأمر ربك الأعلى.
عن عقبة بن عامر، قال: «لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت {سبّح اسم ربك الأعلى} قال: اجعلوها في سجودكم» أخرجه أبو داود {الذي خلق فسوى} أي خلق كل ذي روح فسوى اليدين والرجلين والعينين، وقيل خلق الإنسان مستوياً معتدل القامة.
{والذي قدر فهدى} قيل قدر الأرزاق وهدى لاكتسابها، وقيل قدر لكل شيء شكله فهدى، أي فعرف كيف يأتي الذكر الأنثى وقيل قدر مدة الجنين في الرحم وهداه إلى الخروج منه، وقيل قدر السعادة لأقوام، والشقاوة لأقوام، ثم هدى كل فريق من الطائفتين لسلوك سبيل ما قدر له، وعليه، وقيل قدر الخير والشر، وهدى إليهما، وقيل قدر أي أعطى كل حيوان ما يحتاج إليه، وهدى الأنعام وسائر الحيوانات لمراعيها، وهو قوله تعالى: {والذي أخرج المرعى} أي أنبت العشب وما ترعاه الأنعام من أخضر وأصفر وأحمر وأبيض وغير ذلك.
{فجعله} يعني المرعى بعد الخضرة {غثاء} أي هشيماً يابساً بالياً كالغثاء الذي تراه فوق السيل.
{أحوى} أي أسود بعد الخضرة، وذلك أن الكلأ إذا جف ويبس سود.
قوله عزّ وجلّ: {سنقرئك} أي نعلمك القرآن بقراءة جبريل عليك.
{فلا تنسى} يعني ما يقرأ عليك، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل جبريل بالوحي، لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها، مخافة أن ينساها، فأنزل الله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} فلم ينس شيئاً بعد ذلك {إلا ما شاء الله} يعني أن تنساه وهو ما نسخ الله تعالى تلاوته من القرآن ورفعه من الصدور، وقيل معناه إلا ما شاء الله أن تنساه، ثم تذكره بعد ذلك، كما صح من حديث عائشة. اه.
قال: «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في سورة بالليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا، آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا» وفي رواية «كنت أسقطتهن من سورة كذا» أخرجاه في الصحيحين، وقيل هذا الاستثناء لم يقع، ولم يشأ الله أن ينسيه شيئاً.
{إنه يعلم الجهر} يعني من القول والفعل.
{وما يخفى} يعني منهما والمعنى، أنه تعالى يعلم السر والعلانية.
{ونيسرك لليسرى} أي نهون عليك أن تعمل خيراً ونسهله عليك حتى تعمله، وقيل نوفقك للشريعة اليسرى وهي الحنيفية السمحة، وقيل هو متصل بالكلام الأول، والمعنى إنه يعلم الجهر مما تقرؤوه على جبريل إذا فرغ من التلاوة، وما يخفى مما تقرؤه في نفسك مخافة النسيان، ثم وعده فقال: {ونيسرك لليسرى} أي نهون عليك الوحي حتى تحفظه، ولا تنساهـ.
{فذكر} أي فعظ بالقرآن.
{إن نفعت الذكرى} أي مدة نفع الموعظة، والتذكير، والمعنى عظ أنت، وذكر أن نفعت الذكرى، أو لم تنفع، إنما عليك البلاغ.
{سيذكر من يخشى} أي سيتعظ من يخشى الله تعالى.
{ويتجنبها} أي الذكرى ويتباعد عنها.
{الأشقى} أي في علم الله تعالى، {الذي يصلى النار الكبرى} أي النار العظيمة الفظيعة، وقيل النار الكبرى هي نار الآخرة، والنار الصغرى هي نار الدنيا {ثم لا يموت فيها} أي في النار فيستريح {ولا يحيى} أي حياة طيبة تنفعه.
قوله عزّ وجلّ: {قد أفلح من تزكى} أي تطهّر من الشرك وقال لا إله إلا الله قاله ابن عباس: وقيل قد أفلح من كان عمله زاكياً، وقيل هو صدقة الفطر، روي عن أبي سعيد الخدري في قوله: {قد أفلح من تزكى} قال: أعطى صدقة الفطر.
{وذكر اسم ربه فصلى} قال: خرج إلى العيد فصلى وكان ابن مسعود يقول: رحم الله امرأ تصدق ثم صلى.
ثم يقرأ هذه الآية وقال نافع: كان ابن عمر إذا صلى الغداة يعني يوم العيد قال: يا نافع أخرجت الصدقة، فإن قلت نعم مضى إلى المصلى، وإن قلت لا قال: فالآن فأخرج، فإنما هذه الآية في هذا {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى}
فإن قلت فما وجه هذا التأويل، وهذه السورة مكية، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر.
قلت يجوز أن يكون النزول سابقاً على الحكم، كما قال: {وأنت حل بهذا البلد} وهذه السورة مكية، وظهر أثر الحل يوم الفتح، وكذا نزل بمكة {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، وكان ذلك يوم بدر.
قال عمر بن الخطاب: كنت لا أدري أي جمع سيهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول «سيهزم الجمع ويولون الدبر».
ووجه آخر وهو أنه كان في علم الله تعالى أنه سيكون ذلك فأخبر عنه، وقيل {وذكر اسم ربه فصلى} يعني الصلوات الخمس، وقيل أراد بالذكر تكبيرات العيد، وبالصلاة صلاة العيد.
قوله عزّ وجلّ: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى} يعني أن الدنيا فآنية والآخرة باقية، والباقي خير من الفاني، وأنتم تؤثرون الفاني على الباقي قال عرفجة الأشج: كنا عند ابن مسعود فقرأ هذه الآية فقال لنا أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟
قلنا لا قال: لأن الدنيا حضرت، وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها، وإن الآخرة تغيبت وزويت عنا فأحببنا العاجل، وتركنا الآجل، وقيل إن أريد بذلك الكفار، فالمعنى أنهم يؤثرون الدنيا علي الآخرة، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وإن أريد بذلك المسلمون بالمعنى يؤثرون الاستكثار من الدنيا علي الثواب الذي يحصل في الآخرة، وهو خير وأبقى.
{إن هذا} أي الذي ذكر من قوله: {قد أفلح من تزكى} إلى هنا، وهو أربع آيات.
{لفي الصحف الأولى} أي الكتب المتقدمة التي نزلت قبل القرآن، ذكر في تلك الصحف فلاح من تزكى والمصلي وإيثار الدنيا وإن الآخرة خير وأبقى ثم بيّن ذلك فقال تعالى: {صحف إبراهيم وموسى} يعني أن هذا القدر المذكور في صحف إبراهيم وموسى، وقيل إنّه مذكور في جميع صحف الأنبياء التي منها صحف إبراهيم وموسى لأن هذا القدر المذكور في هذه الآيات لا تختلف فيه شريعة، بل جميع الشرائع متفقة عليه.
عن أبي ذرّ قال: «دخلت المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للمسجد تحية فقلت وما تحيته يا رسول الله، قال: ركعتان تركعهما، قلت يا رسول الله هل أنزل الله عليك شيئاً مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: يا أبا ذر اقرأ {قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى، إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى} قلت يا رسول الله، فما صحف موسى، قال: كانت عبراً كلها: عجبت لمن أيقن بالموت، كيف يفرح؟! عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك؟! عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن؟ عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب! عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل». اهـ.

.قال النسفي:

سورة الأعلى:
مكية.
وهي تسع عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى} نزه ذاته عما لا يليق به، والاسم صلة وذلك بأن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار لا بمعنى العلو في المكان.
وقيل: قل سبحان ربي الأعلى.
وفي الحديث لما نزلت قال عليه السلام: «اجعلوها في سجودكم» {الذى خلق فسوى} أي خلق كل شيء فسوى خلقه تسوية ولم يأت به متفاوتاً غير ملتئم ولكن على إحكام واتساق، دلالة على أنه صادر عن عالم حكيم، أو سوَّاه على ما فيه منفعة ومصلحة {والذى قدر فهدى} أي قدر لكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به، أو فهدى وأضل ولكن حذف وأضل اكتفاء كقوله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء} [النحل: 93] [فاطر: 8].
{قدر} على {والذى أَخْرَجَ المرعى} أنبت ما ترعاه الدواب {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} يابساً هشيماً {أحوى} أسود {فأحوى} صفة الغثاء {أحوى سنقرئك فَلاَ تنسى} سنعلمك القرآن حتى تنساه {إِلاَّ مَا شَاء الله} أن ينسخه وهذا بشارة من الله لنبيه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا ينفلت منه شيء إلا ما شاء الله أن ينسخه فيذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته.
وسأل ابن كيسان النحوي جنيداً عنه فقال: فلا ننسى العمل به فقال: مثلك يصدر.
وقيل: قوله: {فَلاَ تنسى} على النهي والألف مزيدة للفاصلة كقوله: {السبيلا} [الأحزاب: 67] أي فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى} أي إنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلت والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، أو ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان، أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم.
{وَنُيسركَ لليسرى} معطوف على {سنقرئك} وقوله: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى} اعتراض ومعناه ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل يعني حفظ الوحي.
وقيل: للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع أو نوفقك لعمل الجنة {فذكر} عظ بالقرآن {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} جواب {إن} مدلول قوله: {فذكر} قيل: ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم.
وقيل: هو أمر بالتذكير على الإطلاق كقوله: {فذكر إِنَّمَا أَنتَ مذكر} [الغاشية: 21].
غير مشروط بالنفع {سَيذكر} سيتعظ ويقبل التذكرة {مَن يخشى} الله وسوء العاقبة {وَيَتَجَنَّبُهَا} ويتباعد عن الذكرى فلا يقبلها {الأشقى} الكافر أو الذي هو أشقى الكفرة لتوغله في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة {الذى يَصْلَى النار الكبرى} يدخل نار جهنم والصغرى نار الدنيا {ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح من العذاب {ولا يحيى} حياة يتلذذ بها.
وقيل: (ثم) لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلي فهو متراخٍ عنه في مراتب الشدة.
{قَدْ أَفْلَحَ} نال الفوز {مَن تزكى} تطهر من الشرك أو تطهر للصلاة أو أدى الزكاة تفعل من الزكاة كتصدق من الصدقة {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ} وكبر للافتتاح {فصلى} الخمس وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة، لأن الصلاة عطفت عليها وهو يقتضي المغايرة، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه وصلى له.
وعن الضحاك: وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد {بَلْ تؤثرون الحياة الدنيا} على الآخرة فلا تفعلون ما به تفلحون.
والمخاطب به الكافرون دليله قراءة أبي عمرو {يؤثرون} بالياء {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} أفضل من نفسها وأدوم {إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى} هذا إشارة إلى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ} إلى {أبقى} أي أن معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف أو إلى ما في السورة كلها، وهو دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة لأنه جعله مذكوراً في تلك الصحف مع أنه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة {صُحُفِ إبراهيم وموسى} بدل من {الصحف الأولى}.
وفي الأثر وفي صحف إبراهيم: ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الأعلى:
{سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى}
التسبيح في اللغة التنزيه وذكر الاسم هنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون المراد المسمى ويكون الاسم صلة كالزائد، ومعنى الكلام سبح اسم ربك أي نزهه عما لا يليق به، وقد يتخرج ذلك على قول من قال: إن الاسم هو المسمى، والآخر أن يكون الاسم مقصوداً بالذكر، ويحتمل المعنى على هذا أربعة أوجه، الأول: تنزيه أسماء الله تعالى عن المعاني الباطلة كالتشبيه والتعطيل، الثاني: تنزيه أسماء الله عن أن يسمى بها صنم أو وثن. الثالث: تنزيه أسماء الله عن أن تدرك في حال الغفلة دون خشوع. الرابع أن المراد قول سبحان الله، ولما كان التسبيح باللسان لابد فيه من ذكر الاسم أوقع التسبيح على الاسم، وهذا القول هو الصحيح، ويؤيده ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: «سبحان ربي الأعلى» وأنها لما نزلت قال: «اجعلوها في سجودكم» فدل ذلك على أن المراد هو التسبيح باللسان مع موافقة القلب، ولابد في التسبيح باللسان من ذكر اسم الله تعالى؛ فلذلك قال: {سبح اسم ربك الأعلى}، مع أن التسبيح في الحقيقة إنما هو لله تعالى لا لاسمه، وإنما ذكر الاسم لأنه هو الذي يوصل به إلى التسبيح باللسان. وعلى هذا يكون موفقاً في المعنى لقوله: {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} [الواقعة: 74] لأن معناه نزّه الله بذكر اسمه ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس أن معنى {سبح}: صل باسم ربك أي صل واذكر في الصلاة اسم ربك، و{الأعلى} يحتمل أن يكون صفة للرب أو للاسم والأول أظهر.
{الذي خلق فسوى} حذف مفعول {خلق} وسوّى لقصد الإجمال الذي يفيد العموم والمراد خلق كل شيء فسوّاه، أي اتقن خلقته وانظر ما ذكرنا في قوله: {فَسَوَّاكَ فعدلك} [الانفطار: 7] {والذي قدر فهدى} {قدر} بالتشديد يحتمل أن يكون من القدر والقضاء، أو من التقدير، والموازنة بين الأشياء.
وقرأ الكسائي بالتخفيف فيحتمل أن يكون من القدرة أو للتقدير، وحذف المفعول ليفيد العموم. فإن كان من التقدير فالمعنى: قدر لكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به، وقيل: هدى الناس للخير والشر والبهائم للمراتع، وهذه الأقوال أمثلة والأول أعم وأرجح، فإن هداية الإنسان وسائر الحيوانات إلى مصالحها باب واسع فيه عجائب وغرائب، وقال الفراء: المعنى هدى وأضلّ، واكتفى بالواحدة لدلالتها على الأخرى وهذا بعيد {والذي أَخْرَجَ المرعى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحوى} {المرعى} هو النبات الذي ترعاه البهائم، والغثاء هو النبات اليابس المحتطم، و{أحوى} معناه أسود وهو صفة لـ: {غثاء}، والمعنى أن الله أخرج المرعى أخضر فجعله بعد خضرته غثاء أسود، لأن الغثاء إذا قدم تعفن واسودّ، وقيل: إن {أحوى} حال من {المرعى}، ومعناه: الأخضر الذي يضرب إلى السواد، وتقديره: الذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء، وفي هذا القول تكلف.
{سنقرئك فَلاَ تنسى} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعده الله أن يقرئه القرآن فلا ينساه، وفي ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان أمياً لا يكتب، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام من القرآن، وقيل: معنى الآية كقوله: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16] الآية: فإن عليه الصلاة والسلام كان يحرك به لسانه إذا أقرأه جبريل، خوفاً أن ينساه فضمن الله له أن لا ينساه، وقيل: فلا تنسى نهي عن النسيان، وقد علم الله أن ترك النسيان ليس في قدرة البشر، فالمراد الأمر يتعاهده حتى لا ينساهـ. وهذا بعيد لإثبات الألف في تنسى {إِلاَّ مَا شَاءَ الله} فيه وجهان: أحدهما أن معناه لا تنسى؛ إلا ما شاء الله أن تنساه كقوله: {أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106] والآخر: أنه لا ينسى شيئاً ولكن قال: إلا ما شاء الله تعظيماً لله بإسناد الأمر إليه كقوله في [الأنعام: 128] {خالدين فِيهَآ إِلاَّ مَا شَاءَ الله} على بعض الأقوال وعبر الزمخشري عن هذا بأنه من استعمال التقليل في معنى النفي، والأول أظهر فإن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم فيما أراد الله أن يرفعه من القرآن، أو فيما قضى الله أن ينساه ثم يذكره، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: حين سمع قراءة عباد بن بشير رحمه الله: «لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسّيتها» {وَنُيسركَ لليسرى} عطف على {سنقرؤك} ومعناه نوفقك للأمور المرضية التي توجب لك السعادة، وقيل: معناه للشريعة اليسرى من قوله عليه الصلاة والسلام: «دين الله يسر» أي سهل لا حرج فيه.
{فذكر إِن نَّفَعَتِ الذكرى} المراد بهذا الشرط توبيخ الكفار الذين لا تنفعهم الذكرى، واستبعاد تأثير الذكرى في قلوبهم كقولك: قد أوصيتك لو سمعت، وقيل: المعنى: ذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. واقتصر على أحد القسمين لدلالة الآخر عليه، وهذا بعيد وليس عليه الرونق الذي على الأول.
{سَيذكر مَن يخشى} أي من يخاف الله {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى} يعني الكافر وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة، والضمير للذكرى {النار الكبرى} هي نار جهنم وسماها كبرى بالنظر إلى نار الدنيا، وقيل: سماها كبرى بالنظر إلى غيرها من نار جهنم، فإنها تتفاضل، وبعضها أكبر من بعض وكلا القولين صحيح. إلا أن الأول أظهر. ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه التي توقدون جزءاً من سبعين جزءاً من نار جهنم» {لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا} أي لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة هنيئة، وعطف هذه الجملة بـ: {ثم} لأن هذه الحالة أشد من صلي النار فكأنها بعده في الشدة.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} يحتمل أن يكون بمعنى الطهارة من الشرك والمعاصي، أو بمعنى الطهارة للصلاة أو بمعنى أداء الزكاة وعلى هذا قال جماعة: إنها يوم الفطر والمعنى أدّى زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ} في طريق المصلى إلى أن يخرج الإمام وصلى صلاة العيد، وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل المراد أدى زكاة ماله وصلى الصلوات الخمس.
{إِنَّ هذا} الإشارة إلى ما ذكر من التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، أو إلى ما تضمنته السورة أو إلى القرآن بجملته، والمعنى أنه ثابت في كتب الأنبياء المتقدمين كما ثبت في هذا الكتاب. اهـ.